باب الصعيدة الباب الذي يختلف الجميع في نطق اسمه

 نتجه اليوم صوب باب من أهم ابواب المدينة و اكثرها قداسة و به نكون قد وصلنا للحلقة السادسة و ما قبل الأخيرة من سلسلة أبواب المدينة : 

6 ـ باب السعيدة : (باب الصعيدة) :

   باب السعيدة أو باب الصعيدة، من الأبواب السبعة التي تحيط بالمدينة العتيقة لتطوان. فهو يقع في غربي أسوار المدينة في اتجاه الشمال من باب العقلة حيث يربطهما ببعض الطريق المعروف بـ "الشريشار ". ويعتبر هذا الباب ممرا أساسيا للعديد من سكان الأحياء التي توجد داخل المدينة العتيقة ( حومة سيدي السعيدي، الملاح البالي، الجامع الكبير ...) أو تلك التي توجد خارجها ( زيانة، كديوات الشجر، الطويلع، سانية الرمل ...)


  وباب السعيدة (الصعيدة) بدوره باب ذو خصائص قرون متوسطية ذات مدخل مباشر، والتي أنشئ على شاكلته الكثير في المغرب خلال العصر الحديث. ورغم ما يعرفه هذا الباب اليوم من إهمال واضح، فإن ميزات الدقة في البناء وروعة التخطيط لاتزال ترافقه إلى يومنا هذا، ويتجلى ذلك في قوس الباب المحكم البناء والزخرفة المنقوشة فوقه تزيد من روعة بنائه، وتضفي عليه طابعا عربيا إسلاميا خالصا ...

  وكما لا حظنا منذ بداية الحديث عن هذا الباب أن اسمه ينطق ويكتب مرة على صيغة " باب السعيدة " بحرف السين، ومرة أخرى ينطق ويكتب على صيغة " باب الصعيدة " بحرف الصاد عوض حرف السين الذي نجده في الصيغة الأولى، وهي الصيغة المألوفة في لسان أغلب فئات المجتمع التطواني.

  وعليه نتساءل عن سبب هذا الاختلاف في نطق اسم هذا الباب ؟

  وللإجابة على هذا التساؤل لابد لنا أولا أن نعمل على فهم سبب تسمية هذا الباب بهذا الإسم، لندرك سبب اختلاف صيغ هذه التسمية. فإذا كان أهالي المدينة ترجع تسمية هذا الباب إلى الزاوية الواقعة بقربه، فإن المؤرخين والباحثين يتفقون مع العامة في طرحهم، حيث نجد الأستاذ محمد داود يقول: { ولعل تسمية باب السعيدة آتية من وجود ضريح سيدي السعيدي جنب هذا الباب}. نفس الشيء الذي نجده عند الأستاذ ابن عزوز حكيم { باب السعيدة هو الاسم الذي أطلق على هذا الباب لكونه يوجد بالقرب من زاوية سيدي السعيدي }.

  وإلى هذه الزاوية الموجودة بالقرب من باب السعيدة (الصعيدة) يرجع Joly تسمية هذا الباب حيث يقول ما نصه { السجناء المقبوض عليهم الذين يدخلون إلى المدينة من خلال هذه الباب يتوقفون عند ضريح " سيدي السعيدي " القريب من الباب ويتسلقـون جدار القبـة ويطلبون الاستجارة من الشريف حينها يجد الحراس أنفسهم معزولين من السلاح عاجزين عن فعل أي شيء لذلك تقرر إقفال هذا الباب وإدخال السجناء للمدينة من طريق آخر }. وبالتالي فإن جولي يقصد أن هذا الباب سمي بهذا الاسم نسبة إلى ضريح " سيدي السعيدي " ولكون هذا الباب سعيدا على هؤلاء السجناء الذين دخلوا المدينة منها عكس السجناء الذين يدخلون إليها من أبواب أخرى. فهذا الباب يتوفر على ما يسعدهم وهو زاوية سيدي السعيدي الذي يعمل على فك أسرهم ببركاته وكرماته.

  وجولي نفسه، يطرح رواية أخرى لسبب تسمية هذا الباب حيث يقول في كتابه { إن التطوانيين أقفلوها ـ يقصد باب السعيدة ـ بعد اكتساح الإسبان المدينة، لأنهم يعتقدون بأنهم على العكس من اسمها (الباب السعيدة) لم تحمل إليهم الفرح } . ويرى جولي أن هذه الرواية هي الأكثر مصداقية من علة وجود زاوية سيدي السعيدي جنب الباب هي التي وراء تسمية هذا الباب بباب السعيدة ... ففي نظره أن إطلاق هذا الاسم على هذا الباب من طرف التطوانيين إنما هو على سبيل التهكم لا غير. فهذا الباب يستحق تسميته بباب الحزن، وبالتالي فإن مرجعية اسم هذا الباب ـ حسب جولي دائما ـ ترجع إلى قضية الحزن والفرح ومن هنا كان وصف الباب بالسعيدة ...

  لكننا نجد في رأي جولي تناقضا مع الواقع، فقد أغفل قضية هامة في تناوله لهذا الموضوع، هذه القضية هي الاختلاف الحاصل في نطق وكتابة اسم الباب وربطه بالاختلاف الحاصل في نطق وكتابة اسم الزاوية الموجودة بالقرب من هذا الباب من جهة، وأهمية هذه الزاوية عند أهالي المدينة من جانب آخر ...

  هنا نتساءل عن وجود صلة بين الاختلاف في صيغ اسم الباب والاختلاف في نطق وكتابة اسم الولي الصالح ؟ ولفهم هذا التساؤل أكثر والإجابة عليه بوضوح لابد لنا من رصد منبت هذا الولي الصالح أولا ؟

  تجمع الرواية الشعبية بخصوص أصل هذا الولي الصالح على روايتين الأولى ترجعه إلى قبيلة بني سعيد (شرق المدينة) وبالتالي يسمونه " سيدي السعيدي " نسبة إلى قبيلته. 

  أما الرواية الثانية: فتسميه " سيدي الصعيدي " وترجع أصل نسبه إلى صعيد مصر.

  ويحكي الأستاذ محمد امغارة أن هذا الشيخ أصبح في إحدى الأيام على أحد أهالي تطوان وأمره بأن يدفنه في المكان الموجود في الزاوية الآن. ويقول السيد محمد امغارة أن هـذا الولي الوحيد من أولياء تطوان المجهول النسب، ومع ذلك فإن أهالي تطوان يسمونه " بسيدي السعيدي مول البلاد " أي صاحب البلد. 

  ومن خلال كلام الأستاذ محمد امغارة يتبين لنا الصلة الموجودة بين الاختلاف الحاصل في اسم الباب والاختلاف الموجود في تسمية الولي الصالح، فمن يسمي الولي الصالح باسم " سيدي السعيدي " فإنه يسمى الباب باسم " باب السعيدة "، بينما من يسمي الولي الصالح القابع جثمانه داخل الزاوية القريبة من الباب باسم " سيدي الصعيدي " فإنه يسمي الباب باسم " باب الصعيدة ". ومما يزيد من تأكيد هذه الصلة الموجودة في سبب تسمية هذا الباب باسم الزاوية ووليها الصالح، المكانة الكبيرة التي يحتلها هذا الولي الصالح في نفوس أهالي تطوان، الذين يلقبونه باسم " صاحب البلد "، فهل لا يستحق صاحب البلد تسمية أحد أبواب البلد باسمه، خاصة وأن صاحب المدينة يرقد على بعد خطوات من هذا الباب.

  وبالتالي فإن الرأي الذي يمدنا به كل من الأستاذ محمد داود  والأستاذ محمد ابن عزوز حكيم، هو الرأي الأقرب إلى تصديقنا، والقائل بأن تسمية هذا الباب آتية من وجود ضريح سيدي السعيدي بجانبه.

  ومن هنا نجد أنفسنا مجبرين على التعريف أكثر بهذا الضريح لتبيان أهميته التي جعلت سكان المدينة يسمونه أحد أبوابهم باسمه. فزاوية سيدي السعيدي بأسوارها وقِبَبِها البيضاء بمنارتها البسيطة المزخرفة بالزليج حيث يبرز اللون الأخضر في درجاته المختلفة، بِمَمَرِّه المغطى، بمقبرته ونافوراته المتجاورة، تهيمن على هذا الجزء المنعزل من المدينة العتيقة. وتقول الأسطورة أن كلبا أشار لموقع مقبرة الولي الصالح الذي يعتقد أنه كان بالمدينة قبل إعادة بنائها من طرف المنظري في الفترة الممتدة بين (625 ـ 650 هـ/1227 ـ 1253م). ففي هذا الضريح التطواني الذي يعتبر الضريح الرئيسي بالمدينة والذي تنسب إليه العديد من الكرامات حتى في حق المسيحيين، بدرجة أن بعض المؤرخين والشعراء ينعتون تطوان بمدينة سيدي السعيدي كما هو الحال مع فاس التي توصف بمدينة مولاي ادريس أو الشاون التي يقرن اسمها بسيدي بن راشد.

  ومهما يكن اسم هذا الولي الصالح (السعيدي، الصعيدي) فمن المؤكد أن هذا الباب قد سمي تيمنا بهذا الولي المدفون بقربه ...


ذ. عصام محفوظ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

باب التوت - الباب المفقود في مدينة تطوان العتيقة

ثانوية القاضي عياض صرح تعليمي كبير لعب دورا مهما في الحركة التعليمية بشمال المغرب

باب الرموز، الباب المظلوم في مدينة تطوان