باب التوت - الباب المفقود في مدينة تطوان العتيقة
بسم الله نبدأ الحلقة الاولى من حلقات أبواب المدينة مع واحدة من أهم أبوابها .
1- باب التوت :
عند الحديث عن هذا الباب لابد أن نفرق في حديثنا بين بابين هما : باب التوت القديم و باب التوت الجديد .... فالأول أنشئ خلال المرحلة السابعة من التطور الطبوغرافي للمدينة، أي خلال القرن 16م عند بناء حومة الطرنكات، أما باب التوت الجديد فإنه من مباني المرحلة الأخيرة من التطور الطبوغرافي لتطوان؛ أي أوائل القرن 19م، وهذا الأخير هو الذي هدم سوره في فترة الحماية الإسبانية عند دخولهم المدينة في سنة 1913م.
ومن المعلوم أن هذين البابين كانا متجاورين قبل هدم الباب الجديدة في بداية الاستقلال لفسح الطريق أمام مرور "الطرولي (انظر الصورة )
وإذا كان قد عملنا على التفريق بين هذين الاسمين فإن باب التوت يبقى أكثر إغراء لاقتحام معانيه وأسباب تسميته، ولكن قبل ذلك لابد من التعريف أولا بهذا الباب.
تقع باب التوت غرب المدينة العتيقة على الواجهة الجنوبية، تعتبر المنفذ الرئيسي للقادمين من المدينة الحديثة (الانسانشي) صوب حومة الطرنكات وهي كذلك بالنسبة لأهل هذه الحومة وغيرهم من سكان المدينة العتيقة الراغبين في التوجه نحو الانسانشي الإسباني مما يجعلها تعرف ازدحاما كبيراً خاصة في أوقات الذروة.
والباب الذي نراه اليوم ما هو إلا باب التوت القديم الذي ما زال صامدا في مكانه حيث كان إلى غاية بداية القرن الـ 20م بابا داخليا بعد أن أنشئ باب التوت الجديد يمين الخارج من باب التوت القديم، ويبدو أن هذا الباب القائم حاليا إنما هو نسخة مصغرة عن ذلك الذي هدم، إن الباب الكبير المهدم هو في الحقيقة نسخة مكبرة عن تلك التي لا زالت قائمة وهي الأقدم، وأن الأخرى بنيت بعد الأولى بحوالي قرنين من الزمن. وكما قلنا فإن هذا الباب الذي مازال إلى يومنا هذا قائما يذكر زائريه بتاريخ المدينة وأمجادها، ويوجد بجانبه " قنا " جميلة تحمل اسم الباب، وهي حاليا مغلقة ويعود بناؤها إلى الحاج عمر لوقاش.
وعند بحثنا عن اسم هذه الباب على ألسنة سكان المدينة لا نجد سوى اسم باب التوت، وهو الاسم الذي يقره الأستاذ محمد امغارة رحمة الله عليه، حيث يقول عنها " باب التوت " وهو الاسم الشائع عن هذه الباب ...
أما في تقصينا عن اسم هذا الباب في الكتب التاريخية وأبحاث الباحثين فإننا نجد كذلك اسم باب التوت كاسم رئيسي لهذا الباب، إلى جانب ذكر بعـض المهتمين لأسمـاء أخـرى مع
اعتمادهم إياه كاسم رئيسي ...
فمؤرخ المدينة الشهير سيدي أحمد الرهوني قد أورد اسم هذا الباب، في كتابه " عمدة الراوين في تاريخ تطاوين " وقد نعته باسم باب التوت. نفس الشيء الذي نجده عند كل من رائد التأريخ التطواني الأستاذ محمد داود وكذا الفرنسي Joly، بالإضافة إلى البحاثة التطواني ابن عزوز حكيم الذي اخرج اسمين آخرين عرّف بهما هذا الباب الذي بني في أواخر القرن 16م، وهذان الاسمان هما " باب أغطاس " و " باب الطرنكات ".
أما فيما يتعلق بسبب تسمية هذا الباب باسم " باب التوت " فإننا نجد الرهوني يقول في هذا الصدد (وخارج باب التوت كان مشتملا على فدادين وغراس مغروس فيها أشجار التوت والخضر، ولذلك سميت بباب التوت ) . أما في كتاب الأرشيف ماروكان فيقول جولي : [ سميت باب التوت بهذا الاسم لأنه يقال إنها كانت قرب شجرة توت جميلة ] ورغم أن كلام الرهوني ليس مطابقا لما يقول جولي فإن كل القولين يصبان في قالب واحد. ومما يؤكد ان تسمية الباب كانت انطلاقا من نعت الباب بما يزرع خارج هذا الباب، أي أشجار التوت، نجد رأي الأستاذ ابن عزوز حكيم الذي يوضح أهمية هذه الأشجار عند أهالي تطوان وبالتالي دلالة هذه التسمية عند أهالي المدينة، فيقول( من المعلوم أن جل الأسر التطوانية العريقة كانت تتعاطى صناعة الحرير وتجارته، فبالتالي كان لزاما عليها تربية الدودة التي تنتج الحرير الحر، وهذه الدودة تعيش فقط في شجرة التوت، ومن هنا كان لزاما عليهم زراعة هذا النوع من الأشجار بوفرة في المدينة، الشيء الذي تم في المنطقة الواقعة خارج هذا الباب، مما جعل هذا الباب يتخذ اسم " باب التوت " تذكارا للشجرة التي تلعب دورا هاما في اقتصاد أغلب الأسر التطوانية )
من خلال هذا السرد للآراء أهم المؤرخين الذين تناولوا تاريخ المدينة في أعمالهم، يتضح لنا دلالة هذا الاسم ومرجعية تسميته باسم " باب التوت ".
أما ما جاء عند الأستاذ ابن عزوز حكيم من تسميات أخرى، يؤكد أنها أسماء عرف بها هذا الباب إلى جانب اسم باب التوت، وهذان الاسمان الآخران هما: باب أغطاس وباب الطرنكات وهذه التسمية الأخيرة التصقت بهذا الباب لكونه أقيم بعد إنشاء حومة الطرنكات. فهذا باب هذه الحومة، الداخل إليها والخارج منها لابد له أن يَمُرَّ عليه. ويعتبر باب التوت أو باب الطرنكات، بداية حومة الطرنكات ونهايتها.
أما اسم " أغطاس " الذي عرف به هذا الباب أيضا فيبدو أنه قديم، وترجع هذه التسمية إلى فترات إنشاء هذا الباب، حيث إنه كان يحادي فدانا كبيرا مزروعا بالفواكه والخضر والبقول يسمى " أغطاس "، يمتد بين باب التوت وباب النوادر. وهذا ما يزيد في توضيح سبب تسمية هذا الباب باسم " باب التوت "، فهذا الأغطاس هو الذي زرع بأشجار التوت التي سمي عليها هذا الباب.
وبعد هذا كله يبقى اسم باب التوت هو الاسم المعروف منذ نشأة هذا الباب ولعل وثيقة مؤرخة في القرن 18م تُثبت ذلك؛ وهي الوثيقة التي قدمها لنا الأستاذ امحمد بن عبود والتي تهم لائحة أملاك مسجد سيدي علي بن مسعود الجعيدي، والتي كان يقبضها الحاج العربي بُوسَدَّاجَة، وهي وثيقة مؤرخة عام 1173 هجرية حيث تشير من ضمن ما تشير إلى الأملاك الخاصة بالمسجد، زينة حانوت بسوق الزرع وهي الثالثة للداخل من جهة باب التوت. ومن هنا يتضح أن هذا الاسم هو الذي كان مستعملا منذ نهاية القرن 17 وبداية القرن 18م.
ذ. عصام محفوظ
تعليقات
إرسال تعليق