باب العقلة ، رمز من رموز التراث التطواني
الحلقة الخامسة من سلسلة أبواب المدينة هذه المرة مع باب يعتبر رمزا من رموز التراث التطواني و هو :
5 ـ باب العقلة :
يقع " باب العقلة " غرب أسوار المدينة العتيقة بتطوان. وهو الآن الباب الأكثر استعمالا من طرف ساكنة المدينة، الباب الذي لا تهدأ أرجل أهالي المدينة فيه طوال فترات النهار وجزء كبير من الليل منذ أن تحررت أبواب المدينة من الإغلاق ليلا. وهذا الباب هو أجمل البواب السبعة (الآن) في تطوان، ويزيده رونقا البرج الذي يوجد على يمين الخارج منه أي على يسار الداخل منه. فهذا البرج المعروف محليا باسم " الاستقالة " يزدان به هذا الباب حيث يضفي عليه طابع القوة والرهبة والأمان، إضافة إلى طابع الجمال والروعة. فإذا كان هذا الباب قد أنشئ في الفترة الموافقة للعقود الألى للقرن 16م/10هـ. عند إنشاء حومة الرباط السفلي، فإن هذه استقالة ازدان بها هذا البرج في القرن 13 هـ وبالضبط في سنة 1246هـ حيث تؤرخ رسالة سلطانية لهذا الإنشاء أو ردها الأستاذ محمد داود في كتابه تاريخ تطوان. والداخل لهذه الإستقالة يرى فوق بابها الكبير حجرا صغيرا قد نقش فيه ما يلي >> بسم الله الرحمن الرحيم، النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا عبد الرحمن أمير المومنين، بني هذا البرج المبارك على يد خديمه وَرَبِيِّ نعمته محمد أشعاش 1246 <<.
وباب العقلة هو باب ذو خصائص قرون متوسطية ذات مدخل مباشر، والتي استعملت باستمرار في المغرب خلال العصر الحديث. واجهته الخارجية تجسد تخطيطا متدرجا على شاكلة الأبواب الموحدية والمرينية، البرج الدفاعي (الإستقالة) الثماني الأضلاع، يتبع نفس التخطيط لأغلب الأبراج المتعددة الزوايا الموجودة في الخط الدفاعي المحيط بالمدينة العتيقة، ويذكرنا لاستعماله المنحدرات بطريقة البناء البرتغالية، وقد يكون بانيها استخدم أسرى برتغاليين ـ من بين الآخرين ـ في بناء الأسوار التي وضعت لصد هجمات الجيران.
" باب العقلة " هو الاسم الذي نجده على لسان كل التطوانيين وكذا أهالي المناطق المجاورة. ونفس الشيء نجده في الوثائق التاريخية وكذا في كتب التي تناولت المدينة في
كل مراحل التدوين التاريخي لهذه المدينة، فالمؤرخ العلامة أحمد الرهوني اعتمد هذا الاسم في كتابه عن تاريخ المدينة عند نعته لهذا الباب، نفس الشيء نجده عند الفقيه داود في كتابه" تاريخ تطوان ". وكذلك الشأن عند الباحث الفرنسي " جولي " في كتاب الأرشيف ماروكان. و" باب العقلة " هو الاسم الذي أدرجه الأستاذ ابن عزوز حكيم في كل كتاباته، وهو الاسم الذي نعت به هذا الباب كما سبقت الإشارة إلى ذلك سابقا.
هذا الاتفاق حول هذا الاسم بين عامة تطوان وخاصتها يؤكد أن هذا الباب عرف تسمية موحدة من طرف أهالي المدينة، مما يوحي أن البحث عن أصل هذه التسمية سيكون سهل المنال، لكن في واقع الحال لقد صادفتنا صعوبات جمة، مرد ذلك إلى الاختلاف الحاصل بين ساكنة المدينة فيما بينهم من جهة، وكذا تباين وجهات النظر بين المؤرخين أنفسهم من جهة أخرى، وتعارض تفسيرات العامة والمؤرخين من جهة ثالثة.
وعند مساءلتنا لعينة من أهالي المدينة، وهي عينة ممثلة لمختلف فئات المجتمع من غير المتخصصين، أفادت أن اسم هذا الباب يعود إلى فترة إنشائه، ولا أحد منهم يستطيع تحديده بدقة، وكل ما تحتفظ به ذاكرتهم الشعبية أن حكماء هذه المدينة كانوا يجتمعون على مشارفه لتداول الأفكار فيما بينهم، ومناقشة مختلف القضايا بمنطق عقلي، ومن ثمة اشتهر هذا الباب باسم " باب العقلة " تحريفا لكلمة >> العقلاء << أي ذوي العقول النيرة التي كانت تجتمع كل مساء قرب هذا الباب.
رأي آخر وجدناه عند ساكنة المدينة، يمثله الأستاذ المرحوم " محمد امغارة" حيث يقول: { إن عند التطوانيين مثل يقول >> الله عليك يا الحكيم عقلي} ، هذا الحكيم العقلي يدعي معرفته بكل المواضيع ويحشر نفسه في كل شيء ويقال إنه كان معلم بناء شارك في بناء هذا الباب، ومن هذا الحكيم عقلي جاء اسم باب العقلة.
ومن هنا يتبين لنا الاختلاف الشعبي حول رواية موحدة في أصل تسمية هذا الباب باسم "العقلة"، ونفس الشيء نجده عند مؤرخي المدينة الذين تناولوا موضوع تسمية هذا الباب.
وسنبرز هذا الاختلاف من خلال سرد روايتين لأهم من تناول هذا الموضوع من بين الباحثين والمؤرخين الذين تناولوا هذا الاسم في أعمالهم واهتماماتهم:
أول هذين الروايتين لجولي حيث يقول ما نصه في كتابه " الأرشيف ماروكان " { اسم هذا الباب (باب البئر أو الآبار، أو تجمع المطامير) يمكن أن يكون راجعا إلى أنه قديما كانت توجد هناك قطعة أرضية بها عدة آبار، هذا هو الاحتمال الأول، أما الثاني فحسب أناس آخرين: عدة مطامير، أي شيء يمكن أن يحمل اسم " العقلة "} فحسب Joly فإن أصل هذا الاسم له احتمالان، الأول أن يكون مرتبطا بآبار كانت موجودة بعين المكان تسمى عند أهالي المدينة " العقلة " فسمي الباب عليها، أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون مرتبطا بمطامير وهي عبارة عن حُفَر، هذه المطامير تسمى " العقلة ".
كل هذه التفسيرات المتناقضة التي أنتجتها العامة والخاصة حملتها إلى الأستاذ محمد ابن عزوز حكيم رحمه الله الذي كان جوابه عنها أنها دون مستوى التصديق لأنها بدون سند تاريخي. وقال بخصوص هذا الاسم { سمي هذا الباب باسم باب العقلة، لأنه بني فوق أرض كانت في ملكية أسرة تسمى "أولاد العقلي"، ولدي الوثائق التي تؤكد هذا ... واسم العقلي حُرِّفَ مع مرور الزمن حتى أصبح العقلة للاستسهال، فأصبح اسم هذا الباب هو باب العقلة }. وهذه هي الرواية الثانية لدى المؤرخين الذين تناولوا الموضوع. وتبقى هذه الرواية الأكثر إقناعا مادام أن الأستاذ ابن عزوز يتوفر على ما يثبت كلامه، عكس جولي الذي اعتمد على ما سمعه من بعض أهالي المدينة الذين اختلطت عليهم الروايات والفهم ...
ومن هنا يتبين لنا بجلاء الغموض الذي تعرفه طبونيمية المدينة، والتي تبقى مجالا خصبا للباحثين ولمحبي تاريخ المنطقة عموما ... فهذا الاختلاف في أصل اسم هذا الباب ليس خاصا به كما رأينا، وإنما هو عامل مشترك بين أغلب الأبواب التي رأيناها، وكذا التي سنتحدث عنها لاحقا.
وللإشارة فإن اسم " باب العقلة " هو الاسم الوحيد الذي عرف به هذا الباب منذ إنشائه إلى حدود سنة 1860م، حيث وضع له الإسبان عند احتلالهم للمدينة أول مرة اسما إسبانيا شأنه في ذلك شأن كل الأبواب الستة الأخرى.
ذ. عصام محفوظ .
تعليقات
إرسال تعليق