حكايات من زمن رمضان 2
ملعب سطاسيون الذي كان يقع خلف محطة القطار القديمة أو المتحف المركزي للفنون حاليا على صغره كان يبدو كبيرا وخاصة عندما كان يُهيأُ بطريقة جيدة ويُسطّٓر بالأبيض وتُوضع له الشِّباك ويحيطه الجمهور الذي يأتي من الأحياء المجاورة كل يوم ليشاهد دوري رمضان لكرة القدم للأحياء ويستمتع بالمباريات الحامية بين فرق المدينة ويقضي ساعات حماسية ينسى فيها الجوع والتعب .
كانت مثل هذه الدوريات قليلة في تلك الفترة وأشهرها كان دوري البيلار بقيمة الفرق التي تشارك فيه.لكن دوري سطاسيون كان له طابع المحلية والتنافسية بين الفرق القريبة والمجاورة للملعب كفريق المصداع والسويقة والملاح والمصلى وباب الرموز وكاسابلوكي وبناني.فتكون فرصة بالنسبة للمتفرج ان يرى بعض اللاعبين الذين يزاولون في دوريات أكبر وعلى ملاعب أخرى كملعب الخينيوريس أو الملاليين أو لاإيبيكا يلعبون عن قرب منه ويستطيع التحدث إليهم من غير أي عائق.
تبدأ عملية الإحماء للمباراة قبل ساعات في الحي من قبل مصطفى طاطا وعبد الواحد بوتاحا وكريمو وغالبا ما تتم في درب الحية حيث المكان مناسبا وشبه مغلق للحديث والاجتماع وإعطاء التعليمات للاعبين وتوزيع الأدوار التقنية وخطة اللعب وتشكيل الفريق، فغالبا ما كانت تسند الحراسة لخالد الحتاش أو محمد طأطأ ولد حبابي مينة أو لعلي شوريرو أما مصطفى حمي الحارس العنكبوت كان قد هاجر الى هولاندا بصفة نهائية.والدفاع يوزع بين الأمين وكريمو والشملي ومحمد أمزيب والعربي بليكان والشاوني ، ووسط الميدان والهجوم سعيد، شكيب،بوتاحا ،لطيفو مارادونا الساحر، حميدو، زهير ،عزيز بليكان وأحمد الحتاش والمايسترو محمد الحتاش وآخرين.
يستعد الأطفال وبعض الأولاد في تكوين جوقة للتشجيع يتقدمهم محمد السعيدي بعلبته القصديرية التي يضرب عليها وهو يصيح ويصرخ بصوته المبحوح واللعاب يسيل من على جنبات فمه :
طاطا ووليداتو حتى فرقة ما غلباتو،
فينتبه إليه مصطفى ويرميه بالحذاء من بعيد من غير أن يصيبه ويطلب منه ان يغير شعار التشجيع، فيهرب السعيدي متجنبا الحذاء ثم يعود ضاحكا يدق دقتين على قصديرته ويقول:
والشباب طق طق،
والشباب طق طق،
ويعني شباب باب الرموز،وبعد أن يهدأ مصطفى يعود إلى استفزازه من جديد بمعية أطفال الحي أمثال سمير ،عبدالقادر ،أشرف ،البياز ،باحبي ،محسن،السبع، وآخرين.
وا طاطا طق طق
وا طاطا طق طق
وهذه المرة يقوم مصطفى من مكانه متأهبا كالرعد ويهرب السعيدي الممتلئ باللحم مخذولا في جريته بينما ينطلق مصطفى كالسهم فيلحقه بسرعة في أسفل الأدراج بالقرب من طريطا قاع الحافة وأمام دكان الحساني فينهال عليه بالركل والسعيدي منكمش على بطنه يصرخ
اسماحلي أخاي مصطفى
اسماحلي أخاي مصطفى
يضحك المارة ولاعبي الفرقة وأعضاء الجوقة وبعض النساء تطل من النوافذ، أما حبابي "عيشة طريطا" فتطلب من مصطفى أن يزيده ركلا لأنه صدع رأسها بطنين قصديرته. وبعد ما يشبعه ركلا يتركه ويعود الى مكانه والسعيدي خلفه ينفض ثيابه ويتظاهر أنه يبكي ولكن في الحقيقة فهو يضحك ومتعود على مثل هذه الحركات البهلوانية ثم يعود لرئاسة جوقته يطق طق ويصيح وكأن شيئا لم يكن في جو من الضحك والمزاح وكأنك أثناء مشاهدة لمسرحية هزلية.
أما الفرق الأخرى فكانت تعيش نفس الأجواء وتحضر الى الملعب بكامل هيئتها ومشجعيها..فللملاح جمهور قوي وكبير بحكم ساكنة الحي ولاعبيه المهرة أمثال محمد ستيتو الخرافي ،مفضل الجن ،السبع ،فريكس ،الغالي ،ادريس والأخوان النوري.ولحي بناني نور الدين مخلوف،ادريس لمجاهد ،العربي الركراكي وآخرين. وكذلك كاسابلوكي شهبون ،حسن، الوزاني ،الداودي ،والسويقة معيزة ،الازمي وآخرين.
كانت المباريات تمر في أجواء احتفالية ورياضية كبيرة عبر التشجيعات وطنين السعيدي وكذلك الفرجة داخل الملعب من خلال اللاعبين،إذ كان حميدو الحراق هزيل البنية لكن مهارته عالية وخاصة في الضربات الهوائية التي من اختصاصه فيلهب حماس المتفرجين ويدفع بالسعيدي إلى الصراخ والتفاعل بقصديرته وينادي:
يالله خاي حميدو يالله خاي حميدو
آلي الدراري
آلي حميدو
ولكن ليس دائما تنتهي هذه المباريات باللطف، وبحكم قرب الأحياء والالتصاق من بعضها تكون هناك مشاحنات بين هذا وذاك من المشجعين او الجمهور أو حتى اللاعبين، فتشتعل هنا أو هناك ملاسنات وسب وقذف ثم تتحول إلى معركة بالأيدي ثم بكل ما أوتيت من أدوات الشجار، وأحيانا تكبر وتصير بين أكثر من طرف وأحيانا تُحتوى وتُفكُّ المبارزة ويُوقٓفُ الشجار بلا غالب ولا مغلوب.
ذ. أحمد الإدريسي
تعليقات
إرسال تعليق