حكايات من زمن رمضان 1
كان الزمن صيفا ، والقيظ يلفح أرصفة المدينة العتيقة .حركة الصباح في رمضان غيرها في باقي أيام السنة. وحدهم الكبار الذين يزاولون عملا ، أو أولائك الذين ينزلون إلى مدينة سبتة من النساء والرجال من يغادرون البيوت باكرا مع الفجر ليعبروا ازدحام الديوانة ويلتحقوا بأعمالهم في البيوت والورشات أو تهريب السلع قبل سطوع الشمس. المدارس مقفلة بسبب عطلة نهاية السنة وموسم البحر مؤجل إلى غاية العيد. بعيد صلاة الظهر يبدأ أصدقاء الحي في استئناف تجمعاتهم اليومية على عتبة السي محمد الثباطيرو. غالبا ما يكون كريمو ومصطفى طاطا أول الحاضرين، فهما العنصران الأكثر نشاطا وحيوية في حي باب الرموز ، إليهما يعود الفضل في تنظيم مباريات كرة القدم بملعب سطاسيون والسهر على تجميع الشباب من الحي وتأطيرهم للعب والسهر على أمور الفريق كاملة .ثم يبدأ الآخرون في الالتحاق واحدا تلو الآخر وعلامات التعب وقلة النوم بادية على وجوههم من كثرة السهر . من يسبق الأول يكون له الحظ في الجلوس على حجرة سيدي بونصيوص المباركة والتي لا تتسع إلا لإثنين، وتسمح لجالسيها بالاستمتاع بمنظر جبل غرغيز الخلاب وهضبة بوعنان وبني صلاح كاملة في نظرة بانورامية ممتعة. بمحاذاة الحجرة المباركة المذكورة، أدراج مؤدية إلى حي السويقة مرصفة بحجر"الصم" الملساء غالبا ما تكون فخا ومسقطا للنساء المستعملات للأحذية العالية فتكون فرجة للأولاد وهم يكررون على أسماعهن"شايلاه أسيدي بونصيوص ".
تبدأ الأمسية بحلقيات يكون على رأسها عبد الواحد بوتاحا والعربي الفلاحي ومحمد بوسكوف ، يجتمع عليهم الأولاد الصغار وبعض الكبار ويبدأ الحديث عن الكرة الإسبانية وتاريخ البارصا ومدريد ، يقسم الأولاد الى هذه المجموعة او تلك وتبدأ المناوشات مع السخرية والضحك على الأذقان.من الصعب أن تجاري عبد الواحد وهو يحكي عن تاريخ البارصا او ان تعترض على محمد وهو يحكي عن تاريخ مدريد. مرجعان كبيران في الكرة الاسبانية ومستقطبان ومؤثران لا يضاهان في هذا المجال.أما عبد العزيز والأمين فقد كانا يفضلان الجلوس على عتبة الثباطيرو مما كانا يسببان له بعض القلق والتوتر من دون أن ينتبها لذلك ،إلى أن جاء يوم بلغ منه الغضب مبلغه وأخرج فأسا من المحل وشرع في هدم "الدرجة" وسواها مع الأرض كي لا يعودا للجلوس عليها ثانية. لكن ذلك لم يمنع عبد العزيز والأمين من إيجاد حل آخر بعد أن يلتحق بهما باقي أعضاء الفريق كالدكالي وشكيب والخنوس وسعيد وعلي وخالد الحتاش. فالمكان مناسبة للاستمتاع بحركة الفتيات وهن ينتقلن بين حي السويقة مركز التسوق وحي باب الرموز وقاع الحافة والمصلى القديمة، موقع استراتيجي لا يمكن التفريط فيه مهما فعل السي محمد الثباطيرو ومهما هدم من أدراج وسلالم.
الوقت الذي يفصل بين الظهر والعصر ينشغل فيه الأولاد بإعداد طواجين سمك الشطون أو الشرال الطري المصفف بعناية وعليه بعض أقراص البطاطس والطماطم والفلافل القارصة بمحيط سقاية الحي (طريطا) ثم يرسلوها إلى الفرن كي تكون جاهزة عند موعد الإفطار قبيل آذان المغرب.
بعد صلاة العصر أو قبلها بقليل تنطلق مباريات كرة القدم بملعب سطاسيون فيهب الأولاد ليقضوا ما تبقى من اليوم إما متفرجين أو لاعبين، فوق ترابِ ملعبٍ مرت عليه أسماء كبيرة ومشهورة في ميدان كرة القدم المحلية.
ذ. أحمد الإدريسي
تعليقات
إرسال تعليق